العراقيون يكسرون الأطباق في صفر

بكسر الأواني وحرق المكانس.. لماذا يودع العراقيون شهر صفر بهذه الطريقة؟
مع غروب آخر أيام شهر صفر، يتهيأ العراقيون في مدن الوسط والجنوب لممارسة طقوس شعبية متوارثة تهدف إلى طرد ما يُعتقد أنه "نحس" هذا الشهر. أصوات مرتفعة وتمتمات غير مفهومة تتعالى من بعض المنازل، فيما تُكسَر الأواني الفخارية والزجاجية أمام الأبواب، أو تُحرَق المكانس المصنوعة من الخوص، في مشهد يختلط فيه الموروث الشعبي بالتقاليد الدينية.
رمزية الطقوس
الحاجة أم حسن (60 عامًا) من بغداد، تقول إنها اعتادت في مثل هذا اليوم أن تحرق المكنسة وهي تردد: "اطلع يا صفر، يا بو المصايب والكدر". وتصف ذلك بأنه "تعبير رمزي للتخلص من الشرور والحزن".
بحسب الباحث الأثري مهدي البديري، ارتبط شهر صفر في الذاكرة الجمعية العراقية بأحداث مؤلمة، أبرزها وفاة النبي محمد ﷺ، واستشهاد عدد من الأئمة من آل البيت، إضافة إلى ذكرى أربعينية الإمام الحسين. ولهذا السبب تجنّب العراقيون لسنوات إقامة حفلات الزواج أو المناسبات السعيدة في هذا الشهر، واعتبروا شهر صفر شهرًا غير مبارك.
بين الموروث والدين
البديري أوضح أن نهاية الشهر تشهد ممارسات رمزية مثل كسر الأواني أو حرق أدوات قديمة، في محاولة لـ "جلب الخير وطرد النحس". كما تلجأ بعض النساء إلى شراء الذهب في آخر أربعاء من صفر تفاؤلًا بقدوم الفرح بعد انقضاء فترة الحزن.
في المقابل، يؤكد رجال الدين أن الدعاء والصدقة تبقى الوسائل الأساسية لدفع البلاء، فيما يرى آخرون أن هذه الطقوس الشعبية تكمل الجانب الرمزي والاجتماعي للتعامل مع هذا الشهر.
اقرأ أيضاً: غدر بأصحابه.. ببغاء يتحدث "بلغة المخدرات" ويساعد الشرطة في القبض على عصابة خطيرة!
جذور تاريخية أخرى
بعض المؤرخين يرجعون هذه الطقوس إلى ما يُعرف بـ "أصفار مكة"، حيث كانت المدينة تخلو من أهلها في هذا الشهر لانشغالهم بالسفر، مما أضفى عليه سمعة مرتبطة بالوحدة والخوف. ومع مرور الزمن، تحولت تلك المخاوف إلى عادات وطقوس تهدف لدرء الشرور.
ورغم التطور الحضري والثقافي الذي يشهده العراق اليوم، لا تزال هذه العادات حاضرة بقوة في وجدان الكثيرين، ليس باعتبارها معتقدًا دينيًا ملزمًا، بل كجزء من التراث الشعبي الذي يجمع بين الأسطورة والتاريخ والدين.